قال وزير الطاقة التركي تانر يلدز إن حريقا شب في جزء من منجم قتل فيه قرابة 300 عامل في أسوأ حادث بقطاع التعدين في تركيا مما أعاق جهود البحث عما يصل إلى ثلاثة عمال يعتقد أنهم ما زالوا محاصرين داخل المنجم. وأضاف الوزير للصحفيين أن جثث 15 عاملا انتشلت ليل الجمعة ليرتفع عدد القتلى بذلك إلى 299 وأن نحو ثلاثة عمال ما زالوا في المنجم. ومن غير المرجح أن يكون العمال الثلاثة على قيد الحياة بعد أربعة أيام من حريق سابق أطلق غاز أول أكسيد الكربون المميت في أنحاء المنجم.
هذا وكانت الشرطة التركية قد استخدمت مدافع المياه والغاز المسيل للدموع امس الجمعة لتفريق عدة آلاف من المحتجين في بلدة سوما. واجتاح الغضب تركيا مع إتضاح حجم الكارثة. وصب المحتجون جام غضبهم على مالكي المنجم المتهمين بإعطاء الأولوية للربح على حساب السلامة إضافة إلى حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان التي يرون أنها تحابي أباطرة التعدين ولم يكن رد فعلها متناسبا مع حجم المأساة.
وهتف رجل من المحتجين “كفوا عن رشنا بالمياه اذهبوا ورشوا المياه على المنجم علكم تستطيعون في النهاية إخماد الحريق”. وكان الحشد يحاول الوصول إلى تمثال لتكريم عمال المناجم في وسط البلدة عندما أغلقت الشرطة الطريق المؤدي إليه وأطلقت مدافع المياه من شاحنات مصفحة لتفريق المحتجين.
وشهدت تركيا عقدا من النمو الاقتصادي السريع في عهد اردوغان لكن معايير سلامة العاملين لم تشهد تحسنا مماثلا مما جعل سجل تركيا واحدا من أسوأ السجلات في العالم.
وكتب على لافتة بخط اليد وسط الحشد الذي ضم عمالا وأهالي من المدينة عبارة “لا يمكن لأي فحم ان يدفىء أطفال من قتلوا في المنجم”. ومن شأن تدخل الشرطة أن يزيد غضب الجمهور من اردوغان. وصمد اردوغان في وجه احتجاجات حاشدة وتحقيق في فضيحة فساد طال حكومته على مدى العام الماضي ليظل السياسي المهيمن في تركيا لكنه يواجه الآن خطر العزلة بين ناخبي الطبقة العاملة المحافظة الذين يشكلون قاعدة مؤيدي حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه.
وأججت الغضب لقطات لإردوغان وهو يصفع على ما يبدو رجلا أثناء زيارة لبلدة سوما حيث وقعت كارثة المنجم بينما استقبله السكان بصيحات الاستهجان وحاولوا شق طريقهم بين مرافقيه. وأكد الرجل ويدعى تانر كوروكا أن إردوغان صفعه وقال لتلفزيون كانال دي إن حراس اردوغان الشخصيين ضربوه بعد ذلك. وقال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم حسين جيليك إنه لا توجد أدلة مرئية على أن اردوغان ضرب أحدا في حين كتب يالجين أكدوجان مستشار رئيس الوزراء في صحيفة ستار متهما من وصفهم “بأفراد عصابة” باستفزاز فريق رئيس الوزراء وهو في طريقه لمقابلة عائلات العمال القتلى.
واشتبكت الشرطة مع محتجين في المدن التركية الكبرى الثلاث -اسطنبول وأنقرة وإزمير- في الأيام القليلة الماضية. واحتدم الغضب بسبب صورة لأحد مساعدي اردوغان وهو يركل محتجا طرحته قوات الشرطة الخاصة أرضا.
وعقد مسؤولون من الشركة التي تدير المنجم مؤتمرا صحفيا ساده التوتر وقدمت روايتها الأكثر تفصيلا إلى الآن لما حدث. وقال المدير العام لشركة هولدينج رمضان دوكرو في المؤتمر الصحفي إن من المعتقد أن ارتفاعا للحرارة سببه غير معروف أدى إلى انهيار جزء من المنجم وتأجيج حرائق انتشرت بسرعة لمسافة تزيد عن كيلومترين تحت الأرض.
وقال ألب جوركان رئيس مجلس إدارة شركة سوما هولدينج في المؤتمر الصحفي الذي ساده التوتر “كان حادثا لا يصدق في مكان لم يشهد وقوع سوى قليل جدا من الحوادث على مدى 30 عاما.” وتابع “منجم به عمال مناجم على أعلى مستوى ومتفق على أنه الاكثر تنظيما وجدارة بالثقة.”
ويلقي معارضون لإردوغان باللائمة على الحكومة لتأجير مناجم كانت مملوكة للدولة لشركات خاصة ونقلها إلى رجال أعمال لهم صلات سياسية لم يوفروا أي إجراءات للسلامة لتعظيم الأرباح.
وأكد دوكرو ردا على سؤال عن العلاقة بين مسؤولي شركة سوما هولدينج وحزب العدالة والتنمية الحاكم أن زوجته سياسية محلية في الحزب لكن جوركان قال إنه لم يلتق قط برئيس الوزراء قبل هذا الأسبوع.
وقال حزب العدالة والتنمية إن المنجم الذي كان مملوكا للدولة فيما سبق ويقع في سوما على بعد 480 كيلومترا جنوب غربي اسطنبول خضع للتفتيش 11 مرة خلال السنوات الخمس الماضية ونفى وجود أي ثغرات في إجراءات السلامة بقطاع التعدين في البلاد.
لكن بعض العاملين في المنجم قدموا رواية مختلفة. وقال عامل في المنجم في سوما اكتفى بذكر اسمه الأول وهو رمضان خوفا من انتقام مستخدميه “كانت أنقرة تخطرنا بالتفتيش قبل أسبوع من إجرائه وكانت التعليمات تصدر بأن نستعد.” وشبه ما يحدث بأنه تجميل للمنجم.
وقال وزير الطاقة يلدز إن فرق مفتشين و مدعين دخلوا إلى أجزاء من المنجم التي كان الوصول إليها آمنا لبدء التحقيق. وقال آكين جيليك مدير المنجم إنه لم يكن هناك أي إهمال من جانب الشركة لكن جوركان كان أكثر حذرا وقال إنه ينتظر نتيجة التحقيق الذي تشرف عليه وزارة العمل المسؤولة عن معايير السلامة في أماكن العمل.
وأشارت بعض التقارير الأولية إلى أن حريقا اندلع في محطة كهرباء فرعية في المنجم مما أدى إلى انقطاع الكهرباء وإغلاق فتحات التهوية وتوقف المصاعد لكن دوكرو قال إن هذا غير صحيح على ما يبدو. وقال “نعتقد أن ما حدث هو ارتفاع في الحرارة لم يكن من الممكن اكتشافه… انهارت المنطقة التي حدث فيها ارتفاع في الحرارة وتساقطت معها قطع الفحم المشتعلة مما أدى إلى انتشار الحريق بسرعة. لا علاقة للأمر بالمحطة الفرعية.”
وقال جيليك مدير المنجم إن الدخان الكثيف حال دون خروج عمال المنجم حيث انعدمت الرؤية. وأضاف أن ضخ هواء نظيف داخل المنجم ساعد على إنقاذ حوالي 100 عامل.
إقرأ أيضا: كارثة منجم الفحم تنفجر بوجه أردوغان: غضب وتظاهرات ودعوات للإضراب