كما كل عام تخرج الأصوات المثقفة والمؤسسات والجمعيات المعنية على الشعوب العربية منددة ومطالبة بعدم الاستهتار بالفصحى ساخرة من «العربيزي» ( دمج العربية بالانكليزية) دون طرح أي حلول عملية يمكن الإنطلاق منها لإعادة إحياء اللغة. من المعروف أنه في عالم تسير فيه كل الامور بسرعة ما زالت اللغة العربية كما هي منذ الأزل، فلا تعديلات ولا تحسينات ولا حتى مواكبة لكل ما يحصل حولها.. هي كما هي ممنوع المس بها.
يمكن لاي شخص في عالمنا العربي هذا لديه أطفال، أو أشقاء او اقارب ما زالوا في سنواتهم المدرسية أن يلمس كره هؤلاء للغة، كما يمكن بسهولة لمس الضعف المهول الذي يعانون منه تعبيرا وكتابة وفهماً رغم تفوق بعضهم في كل المواد الأخرى. اللغة العربية ما زالت تدرس كما كانت منذ سنوات طويلة، بالأسلوب نفسه وبالطريقة الخشبية نفسها بلا تحسين أو تعديل. وبينما تتقلص المواد الاخرى العربية ( جغرافيا- تاريخ – تربية وخلافها) في المناهج التعليمية، يجد الطالب نفسه أمام سيل من المواد باللغات الأجنبية التي يفهمها ويحبها ويسهل عليه التعامل معها لاسباب عديدة أولها هو واقع ان كل ما يتعامل معه من برامج تلفزيونية أو الكترونية غير عربية، ثانيها تطور المناهج التعليمية لهذه اللغات بحيث أصبحت طريقة تدريسها أكثر متعة وسهولة في الوقت الذي ما زالت لغتنا الأم على حالها ( إعراب – تحليل نص – كتابة قصص – شعر) ،ثالثها في كل عام تقوم الدول الاجنبية بإدخال كلمات جديدة على معاجمها مستمدة من مدى تداولها وشيوعها بين الشعوب بينما ما زلنا نحن على حالنا، ممنوع على اللغة التطور وممنوع علينا الشعور بالارتباط بها لان المعنيين قرروا انه لا يجب المس بها ولا يجوز أن تصبح طيعة مع ما يجري حولها.
في المقابل، يرى عدد كبير، وهو الواقع، عدم جدوى إضاعة وقته في التمرس في اللغة العربية، فهي لن تنفعه في مستقبله بشيء، الا اذا كان ينوي ان يصبح أستاذا في اللغة العربية أو يمتهن مهنة متعلقة بها. فعوض ان تقوم المؤسسات المعنية كل عام «بنهر» الشعوب العربية وتحميلها مسؤولية تراجع اللغة فلتتحمل هي مسؤولية جمود هذه اللغة وأساليب نشرها وتعليمها، ليضعوا الحلول بدل أن نسمع اللازمة نفسها كل عام. العربيزي ليس تهمة، العربيزي هو بديل «عملي» أوجده من يتعامل يومياً مع كم هائل من اللغات الأجنبية والأدوات المرتبطة بهذه اللغة.
تحذير وتنديد وتهديد
حذر خبراء في اللغة العربية من تعرض الفصحى لأزمة “غير مسبوقة” بسبب انتشار التعليم الأجنبي وما وصفوه بـ”استهتار بعض وسائل الإعلام بالعربية الفصحى”.وأوصى مجمع اللغة العربية في القاهرة “بتصويب الكثير من سلبيات الأداء في وسائل الإعلام العربية وأبرزها زيادة استخدام العاميات واللهجات”.و يلزم القانون مجمع اللغة العربية بالقاهرة “بإعلان تقرير سنوي عن حالة اللغة العربية، وما تتعرض له قراراته من مخالفات”.
وأحصى المجمع، مؤخرا مخالفات للصحف في هذا المضمار، ليجد أن ما يقرب من 90 في المئة من إعلانات الصحف احتوت على هذه المخالفة، بحسب الدكتور حسن الشافعي، الذي حذر من مغبة هذه الظاهرة ودعا المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى الكف عنها لئلا يضطر المجمع لاتخاذ التدابير المخولة له قانونا. وكان البرلمان المصري قد أقر في عام 2008 تعديلا على قانون تنظيم مجمع اللغة العربية منح بموجبه المجمع صفة الضبطية القضائية بهدف “مراقبة سلامة اللغة العربية وتوحيد ما فيها من مصطلحات، وإحلالها محل التسميات الأجنبية الشائعة في المجتمع”، وينصّ القانون على أن مخالفة هذه الالتزامات توجب انعقاد المسؤولية التأديبية للمخالف.
مفردات دخلية؟
يحلو للمثقفين والمعنيين بوصف اي كلمة يتم إستحداثها بمفردة دخيلة لا لسبب واضح فقط لأنها غير مدرجة في المعاجم. والمفردات الدخيلة هذه هي مصطلحات عادة يتم إبتكارها لمواكبة الجديد الذي يحدث في العالم. لكن ليحاول هؤلاء عوض التنظير الدائم على الشعوب وتحميل الأسر، والبرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام وخلافها أن يعترفوا أو على الأقل أن يضعوا إحتمال ان جزء من المشكلة يكمن فيهم وفي عدم تقبلهم بأي شكل من الأشكال إدخال تعديلات على اللغة العربية.
ولتوضيح أكبر للفكرة فجميع البيانات الصادرة عن المؤسسات المعنية إكتفت بالتحدث عن «جمالية اللغة» (وهو أمر لا ننكره) وتنظيم معارض وندوات ( آنية) طبعا دون ان ننسى توجيه أصابع الإتهام لهذه المؤسسة او تلك وتحميلها مسؤولية تدهور اللغة.
اللغة تتدهور لأنها لم تعد تواكب متطلبات العصر، ولان أساليب تعليمها مملة ولانها مفصولة تماما عن واقع التلاميذ بشكل عام والشعوب بشكل خاص، فهم في واد واللغة التي من المفترض انها لغتهم الام في واد اخر.العام الفائت تم إدخال كلمة«سلفي» على معاجم اللغة الانكليزية لكونها أكثر الكلمات التي تم تداولها خلال العام، بينما في عالمنا العربي اي كلمة مستحدثة هي كلمة دخيلة.
اللغة تموت لانها ممنوعة من التطور، والمسؤولية هي جماعية تبدأ من رأس الهرم الذين لا يريدون أو يخافون أو لا يعرفون كيفية تحويلها الى لغة مرتبطة بواقع الشعوب.
البحار نت