علي بدرالدين
بعد تسعة أشهر من التجاذبات والتسويات وصراع المصالح بين القوى السياسية، أبصرت الحكومة النور وتوزعت حقائبها وفق خريطة الحصص المرسومة طائفياً ومذهبياً وحزبياً وزعائمياً. وخلافاً لكل حكومات ما بعد اتفاق الطائف، وبسبب ازدحام المركب الحكومي بالمستوزرين، وخشية من اختلال التوازن الطائفي والمذهبي، خلت الحكومة الجديدة من ممثلين عن قوى وطنية وقومية، مع أن المطلوب في مرحلة التحديات والاستحقاقات القائمة والداهمة والأزمات الضاغطة على كل المستويات حكومة وحدة وطنية متوازنة ومنفتحة وبعناوين واضحة وشفافة تغلب فيها مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الخاصة مهما تجلببت بعناوين وشعارات جاذبة وبراقة ومغرية.
وبدا واضحاً أن القوى السياسية المؤثرة أو معظمها على الأقل لم تكن مستعجلة في أن ترى التشكيلة الحكومية، بدليل أن كل المعطيات والمؤشرات التي سبقت عملية التشكيل لم تكن توحي بأن اللحظة الحكومية قد حانت وأن العقد قد حلت والعراقيل قد أزيلت، وهي التي أرادت من شماعة الاستحقاق الحكومي الحصول على مزيد من المكاسب والحصص والمواقع وتحصين مستقبلها السياسي وبناء تحالفاتها التي توفر لها استمرار الامساك بالسلطة والقرار.
لكن ازدياد حجم الضغوط الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخشية من اقتراب البلد من حافة الخطر الحقيقي وتجاوز كل الخطوط الحمر، مترافقة مع التقارير الدولية التي حذرت من انهيار الوضع الاقتصادي والافلاس المالي وعجز لبنان عن تسديد ديونه، وخوفاً من تطيير مقررات مؤتمر “سيدر” والقمة الاقتصادية العربية، أجبرت القوى القوى السياسية على فك قيود التشكيلة الحكومية وتوزيع حقائبها واسمائها “بالعدل والقسطاس” بينها ولكل فريق سياسي أو طائفي أو مذهبي حصته المتفق عليها، استناداً إلى الأحجام التي أفرزتها الانتخابات النيابية، وفق المزاعم.
هكذا، وبسحر ساحر ولدت الحكومة مكتملة أو منقوصة لا فرق. المهم في الأمر أنها راعت التوازنات الطائفية والمذهبية على مقياس تقسيم “جبنة” لبنان على منهج الحصص المعمول به على مدى عقود مضت. والأهم فإن وجودها أفضل من عدمه، مع أن اللبنانيين لم يشعروا كثيراً بهذا الفرق، لا سيما أن الخدمات والتقديمات شبه معدومة والفساد والفاسدين كثر والديون على لبنان تتراكم بأرقام غير مسبوقة، والحكومات عاجزة عن حل أزمات الكهرباء والنفايات والبنى التحتية وغيرها من الأزمات والمشكلات التي لا تعد ولا تحصى.
وهذا لا يعني أننا لا نريد الحكومة، بل على العكس تماماً كان تشكيلها بمثابة الحلم لجميع اللبنانيين، علها “تشيل الزير من البير”، وعليها يعلقون آمالهم، ولأنه من السابق لآوانه اصدار الأحكام المسبقة واتهام الحكومة بالعجز والتقصير قبل نيلها ثقة مجلس النواب والمباشرة بالعمل وتحمل المسؤولية.
ما يريده اللبنانيون ليس وعوداً وشعارات لأنهم شبعوا منها، بل ترجمة لها وأفعالاً وتغييراً للنهج السياسي المعتمد من 30 عاماً في ادارة شؤون البلاد والعباد من حكم العهود والحكومات المتعاقبة التي كان زرعها فاسداً وحصادها كارثياً أول البلد إلى حال يرثى لها من الفقر والبطالة والديون.
ما يريده اللبناينون هو تغيير الطبقة السياسية وإذا لم يحن الوقت بعد، فعلى الأقل تغيير نهجها وعقليتها السياسية المبرمجة على تغليب مصالحها الخاصة، وأن تؤمن مقومات الحد الأدنى من التعاون بين مكوناتها من أجل انقاذ لبنان وبناء دولة العدالة والقانون والمؤسسات وأن تعيد للبنانيين حقوقهم المسلوبة والمصادرة وترفع عنهم كوابيس الجوع والذل وهدر الكرامات، وهذا أقل المطلوب ممكن يحكمون لبنان منذ عشرات السنوات. ولكن للأسف إن تجارب حكم الطبقة السياسية لم يكن مشجعاً، ولا يمكن الركون إلى وعودها التي تنزل كالمطر على أبواب الاستحقاقات الانتخابية والدستورية، لأن لا هدف عندها سوى تمرير مصالحها واختيار ازلامها نواباً ووزراء وفي مواقع السلطة الادارية والاقتصادية والمالية، يضمنوا منها الولاء والطاعة وتنفيذ الأمر اليومي.
رغم الماضي السيء والواقع الأسوأ فعلى اللبنانيين الانتظار والدعاء والامل والتفاؤل بالمستقبل، لعل وعسى هذه الحكومة تفعل شيئاً وتكون المنقذ ولا تكون شاكلة الحكومات السابقة، التي أذاقت اللبنانيين كل صنوف القهر والعذاب والحرمان والاهمال، والآتي من أيام الحكومة كفيل بتبديد القلق والهواجس والخوف من المستقبل.