سارة السهيل
عندما نتأمل في مناطق مختلفة من شوراع العالم ،نجد المشردين بلا مأوى، وأطفال الشوارع الهاربين من بيوتهم، لعدم وجود أب أو قريب يعيلهم ويوفر لهم المأكل والمشرب والتعليم والطبابة،
و نجد ملايين النساء الأرامل والمطلقات اللواتي تخلى عنهن أزواجهن اما بالطلاق او الموت بالحروب او المرض ، وهن وحدهن يتحملن مسؤولية تربية اطفالهن من دون ان يكون لهن موردا للرزق ، فيدخلون باكرا في سوق العمل من دون تأهيل، ومن دون أن يكون لهم اي فرصة للتعليم، ما يؤدي ببعضهم الى” تشرب” اخلاق الشارع، وربما تعاطي المخدرات ،في حين أن البعض الاخر قد تتلقفه الجماعات التكفيرية وتحوله الى إرهابي يطعن وطنه وناسه بخنجر مسموم ٠
و نجد ملايين البشر يموتون من الجوع والمرض لنقص في الغذاءوالدواء وتتحول شوارع عديدة، الى اوكار أومأوى للصوص ومروجي المخدرات و عصابات سرقة الأعضاء البشرية وغيرها من الجرائم المميتة للانسان والمدمرة للبشرية ، ناهيك عن ملايين الشباب العاطل من العمل ، غير القادرين على اكتساب الخبرات التي تؤهلهم لسوق العمل ويصبح وجودهم عالة يستنفذون خيراتها دون ان يعمروها بالعمل والانتاج -حتى و لو كانوا في بعض الحالات ضحايا-، ولا عمل لهم سوى “افتراش” المقاهي ٠
من هنا برزت الحاجة البشرية الى تنظيم النسل، وهو لا يتعارض مع مقصد الخالق من التكاثر البشري لإعمار الارض ، و الأديان السماوية التي حثت على الانجاب والتوالد واكثار خيرات الارض والاستفادة منها ، ولكن كثرة الانجاب في مكان ما وزمان معين، قد لا تحقق الحياة الكريمة التي قصدها الخالق العظيم لبني آدم في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)٠
انطلاقا من قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” ، وهي من القواعد التي اتفق عليها الفقهاء ، فان الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها معظم شعوب العالم ، الأخذة في النمو، وقصور الاباء والامهات عن رعاية أبنائهم نفسيا واجتماعيا واخلاقيا ودينيا، وصاروا مقصدا لرفقاء السوء و الانحراف الفكري والسلوكي عبر ما إستجد من” فضاء الانترنت” المفتوح بلا رقيب ولا حسيب .
بل ان الكثير من الاسر قد فقدت موارد رزقها، وتعطلت عن العمل لعوامل عديدة وباتت غير قادرة عن اطعام ابنائها وتعليمهم٠
هذه العوامل مجتمعة وغيرها تدفع المجتمعات دفعا ،الى تنظيم النسل في الحدود الدنيا بحيث لا يزيد عن طفلين او ثلاثة على الاكثر ،
و منعا للضرر الأعظم وتجنبًا للتهلكة ، فان اجازة تحديد النسل حفاظا على سلامة الاسرة اقتصاديا واخلاقيا واجتماعيا خاصة وقت الشدائد الاقتصادية التي تمر بها الدول ، باتت من الامور المنطقية والمطلوبة ، خاصة أن الرسالات والشرائع السماوية من مسؤولياتها تنظيم حياة الناس دون ضرر او ضرار .
وعلى ذلك، فإن تنظيم النسل بات ضرورة حياتية تفرضها تحديات واقع حياتنا المعاصرة ، و قد أباحه الشرع في حالة الخشية على صحة الأولاد أو تربيتهم، أو العناية بتنشئتهم٠
إن حتمية تنظيم النسل تفرض على الانسان ان يراعي امكاناته المادية أولا ، قبل ان يأخذ قرارا بكثرة الانجاب ، فاذا كان دخله محدودا وغير مستقر وأنجب العديد من الابناء ، فإنه قد يعجز عن تلبية إحتياجاتهم فيظلمهم ويظلم نفسه ومجتمعه .
الواقع في عالمنا العربي يكشف الكثير من الأباء الذين هربوا من المسؤولية، عندما ثقلت أعباء وتكاليف اطعام وتعليم أبنائهم ، وطلقوا زوجاتهم لعدم قدراتهم على الانفاق .
والمعروف ان كثرة الانجاب تزيد من أعباء الاسرة بما يختل بتوازنها الاقتصادي وأمنها الاجتماعي الذي يلقى لاحقا على عاتق المجتمع والدولة . من هنا فإن تنظيم النسل يعد ضرورة تحمي الافراد والاسرة والمجتمع ويتيح للدول ان توفر لمواطنيها حياة كريمة .
ولا بد من سن قانون لتحديد انجاب الزوجين لطفلين او ثلاثة على الاكثر ، و ذلك بناء على دخلهم الشهري .
وقد يعترض البعض بزعم، ان الدخل هو رزق من الله ، و ربما الفقير يصبح غنيا أو أن الغني يفقد ماله ، وهذا صحيح في حالات كثيرة ، لكن نحن نتطلع الى قانون يحمي الاغلبية و ليس حالات فردية ، و الهدف منه زيادة النخب و ليس العدد و تحقيق مصلحة العائلة بالعيش حياة كريمة، تحقق راحة العائلة ، وإ راحة المجتمع وإخلاء الشوارع من المتسولين ، و راحة الحكومة من أعباء المتسربين من المدارس ، واطفال الشوراع الذين ينضمون لاحقا الي فئة النشالين و مروجي المخدرات .
ان سن قانون لتنظيم النسل، سيحقق أمانا واستقرارا للمجتمع ، وللبيئة و الطبيعة من التعداد السكاني الهائل الذي لم يعد الهواء والماء و الارض تتحمله ، و ايضا للبنية التحتية ،و حتى للوظائف التي لا تكفي لإنصاف المتعلمين، اولغير المتعلمين الذين لا يريدون حتى ان يعملوا بالمهن الحرفية.
هذا يعني ان قضية تحديد النسل متشابكة ومعقدة و من يفهمها على حقيقتها سيعترف بآن تحديد النسل مهم لمصلحة الجميع، و هو لا يتعارض مع الدين ، لأن ألأديان السماوية حرمت قتل الموجود ،و لم تحدد بأي شكل تحريم تحديد عدد افراد الذي نريد انجابهم .
ففي الازمنة القديمة كانت الأسرة تنجب كثير ا وتفرح بالكثرة العددية لان الاطفال سيعملون بالحقل او المزارع او الصيد او المغازل مع رب الأسرة ، و لكن الآن ، فان الآلة قد أغنت عن كثرة العمال الذين كانوا في الأزمان الغابرة وحتى وقت ليس ببعيد من افراد العائلة ،وفي الزمن الحالي والتالي، لم يعد هناك حقل و لا زرع، و ان وجدا ففي الريف وقد أغنت الآلات عن كثرة العاملين ٠