كتب علي بدر الدين:

شكلت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى القارة الأفريقية(السنغال، نيجيريا، الكوت ديفوار، غانا) نقلة نوعية في التعاطي الرسمي مع جناح لبنان المغترب، بعد إهمال رئاسي مزمن تمثل بعدم قيام أي رئيس للجمهورية خلال العهود المتعاقبة بمثل هذه الزيارة غير المسبوقة للرئيس سليمان التي جسدت اهتمامه ورعايته وتقديره للمغتربين اللبنانيين الذين يحملون هم الوطن في عقولهم ووجدانهم وهم لم يتخلوا يوماً في الوقوف معه في الأزمات والاستحقاقات والشدائد.
من حق المغتربين على الدولة ومسؤوليها أن يبقوا على تماس معهم لأنهم قوة لبنان الآخر التي حالت دون وقوعه في المحظور. وهي التي إنتصرت على المعاناة وظروف العمل والعيش القاسية ودفع المغتربون جراءها أثماناً باهظة منذ أكثر من مائة عام.
حسناً فعل الرئيس سليمان بزيارته التي يمكن اعتبارها محطة أساسية ومهمة في تاريخ الاغتراب، ولطالما تمنى المغتربون ترجمة وعود دولتهم بالتواصل معهم وخاصة في المحن والشدائد والأزمات الكبرى التي خلفت ضحايا وخسائر فادحة بالأرزاق والممتلكات وعدم الاستقرار. ولأن الرئيس سليمان يدرك بحكم مسؤولياته أهمية الاغتراب اللبناني وقوته وفعاليته وحجم طاقات المغتربين وقدراتهم الاقتصادية والمالية والبشريةوالتي تتوج سنوياً بضخ أكثر من سبعة مليارات دولار إلى الوطن الأم تساهم فعلاً في تنشيط حركته الاقتصادية وفي منع الفقر من الدخول إلى العائلات ”المستورة” والمحتاجة. ترجم وعده الذي أطلقه في خطاب القسم الرئاسي بهذه الزيارة الضرورية في شكلها ومضمونها وحتى في توقيتها على مستوى الداخل اللبناني الذي لم يكن مشجعا ومحفزاً على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والدستورية لأنه يمر في ظروف صعبة واستثنائية ترمي بثقلها وتداعياتها على اللبنانيين أينما كانوا. والخروج منها ربما يحتاج إلى ”معجزة” بعد أن ارتفع منسوب الخطاب الطائفي والمذهبي إلى مستوى قد يأخذ البلاد والعباد إلى المجهول.
وحسناً فعل الرئيس بزيارته الأفريقية التي ينتظرها ويتمناها المغتربون منذ زمن لأنها تقرب المسافات بين لبنان وأفريقيا وتؤمن التواصل بين المسؤولين اللبنانيين والأفارقة على مستوى رؤساء الجمهورية والحكومة والوزراء، وحتماً حمل وزراء الوفد الرئاسي معهم اقتراحات ومشاريع ودراسات تعبنى بالبيئة والتربية والثقافة والاقتصاد وغيرها لبحثها مع الوزراء الأفارقة المعنيين بهدف تعزيز التعاون في مختلف المجالات وترسيخ العلاقات اللبنانية الأفريقية وهي فرصة لا تفوت وقد لا تتكرر.
إن ما يطمئن اللبنانيين مقيمين ومغتربين الذين اكتووا على مدى سنوات بتداعيات ومخاطر الصراعات والانقسامات والاقتتال وتعطيل المؤسسات وشل البلد، ايمانهم بقدرة لبنان على النهوض كطائر الفينيق الذي هو بمثابة باب الأمل المفتوح على الانقاذ ووضع قطار الحل على السكة الصحيحة، وما سمعوه من الرئيس بدد الكثير من هواجسهم وخوفهم وقد طمأنهم بأن الوطن سيتجاوز الكثير من آزماته ومشكلاته بتوافق قياداته وأبنائه وحرصهم على التلاقي والحوار، رغم المخاض العسير وزنار الخلافات والصراعات على اختلافها الذي يلتف حول جسد لبنان الهزيل والعاجز والمقطعة أوصاله بفعل فاعل. هذا الجسد الذي ينخره سوس الطائفية والمذهبية والمصلحية الذي تكاثر على أرض خصبة وملائمة وعودة العافية إليه تحتاج إلى معجزة وطنية وحوار سياسي جدي ومسؤول ووعي الجميع لخطورة ما تقترفه الأيدي والألسن والمصالح الشخصية والسياسية والطائفية من جرائم بحق الوطن والمواطن والمؤسسات.
ما يحتاج إليه لبنان في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة والمأزومة وقف المزايدات لتسجيل نقاط في السباق المحموم بين أفرقائه ومكوناته لم يكسب أكثر ومن ينجح في إغراقه، وفي توفير عناصر الاختلاف والتوتر والانقسام بين اللبنانيين ويدق جرس الاصطفافات بعناوينها وتلاوينها المختلفة التي من أولوياتها تغليب المصالح الخاصة على العامة. وتقاسم الحصص والمغانم من دون النظر لمخاطرها وضررها على الوطن ووحدته ومعاناة أبنائه.
كثيرة هي الأسئلة التي سمعها الرئيس من الجاليات اللبنانية التي التقاها وتمحورت حول مواضيع الأمن والاستقرار وقانون الانتخاب وحق المغترب في الحياة السياسية وفي القانون الموعود. كما عن الحوار الذي توقف، وعمليات الخطف التي تطال الأطفال ورجال الأعمال. وعن الفتن والمتنقلة وقطع الطرق وأكثر ما ألح عليه المغتربون ماذا عن لبنان المستقبل، وهل نأمل ونتفاءل بالآتي من الأيام. وماذا عن الاقتصاد المهزوز والاضرابات وما يحكى عن افلاس شركات ومؤسسات وبطالة. ماذا عن الهدر وتفشي الفساد وتكاثر المفسدين وغيرها الكثير من الأسئلة والاستفسارات والايضاحات التي لم يتسع المجال لذكرها وتفاصيلها حيث يكمن الشيطان.
وحكماً لم ينسى المغتربون السؤال الجديد-القديم حول فشل الدولة وحكوماتها المتعاقبة في اصلاح ما خربه بعض المغتربين المختلفين حول ”جنس ملائكة” الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وعن فشل اللجان الرسمية التي تشكلت خلال عهود وحكومات سابقة لمعالجة ملف الجامعة التي باتت جامعات وجماعات متنافرة، ممزقة ”كخبز القرود” ومشاعاً للخارجين عن شرعيتها الذين يبحثون عن موقع أو لقب أو عنوان في غفلة الزمن الذي ضاعت فيه الحقوق والأصول والقوانين الضابطة ولتحقيق ذلك أيقظوا من داخلهم ”شياطين” الصراعات الطائفية و”حقوق” الطوائف التي حولوها إلى ”شماعة” لإستهداف الاغتراب ومؤسسته الأم ونحرها بسكاكين الحقد والهيمنة والفئوية والطائفية.
ربما كانت الجامعة اليوم خارج الزمان والمكان وقد ذهب ريحها وتفرق شملها لولا الانتفاضة الوطنية التي بدأت مع انتخاب رئيسها الاستاذ أحمد ناصر الذي حصّنها بالانفتاح والمسؤولية العالمية وبالإنجازات والنشاطات التي شملت الكثير من القضايا التي تهم الوطن واغترابه ومؤسساته وستبقى شاهدة على عصرها الذهبي (2005-2012).
يبقى التأكيد على أن الرئيس سليمان بزيارته الأفريقية نجح في تأمين التواصل مع السلطات المعنية ومع الجاليات اللبنانية، وفي إقناع المتسائلين والباحثين عن أجوبة شافية ومطمئنة وقد أحيا الأمل في نفوسهم ورسخ مفهوم التفاؤل بإمكانية قيامة لبنان الذي سيبقى واحداً موحداً يوحده أبنائه أينما كانوا وتعاونهم اللامحدود وتجسيدهم للوحدة الوطنية والعيش معاً في كل الظروف الحلوة والمرة. وفي الالتفاف حول جيشهم الوطني الذي يضحّي ويقدم الشهداء والتضحيات الجسام لحماية السلم الأمني وتعزيز الأمن والاستقرار ووأد الفتن المتنقلة التي يسعى إليها المصطادون بالماء العكر لأخذ البلد إلى الفوضى والخراب.
ali.baderddine@hotmail.com