ربما لان الحدث خرج الى العلن أحدث تلك الضجة، لكنها على الارجح حوادث تتكرر في مدارس عدة في لبنان. فذلك الاستاذ الذي اخرج كل ما في داخله من وحشية وعنف على تلاميذ حصلوا على علامة متدنية في اللغة الانكليزية لا تتعلق فقط بعنف لا يتقبله انسان بل يكشف عن خلل أكبر وأوسع يشمل معظم مدارس لبنان وهو النظام التعليمي المعتمد.
فعوض أن يحاول إكتشاف السبب الذي ادى الى حصول التلاميذ على علامة متدنية في المادة، قرر ان يخرج عقده النفسية وإحباطه من فشله عليهم. لا تلميذ «كسول» وان كان اسلوب التعليم يصل لعدد من التلاميذ ولا يستوعبه عدد اخر، فالخلل في المعلم وليس في التلميذ. لكن كل هذه الامور ملغية في مدارس لبنان، فالمعلم او المعلمة دائما على حق والتلميذ في كرسي الإتهام.
فبعد ضجة الفيديو الذي أظهر الأستاذ موسى ضاهر وهو يضرب عددا من الفتيان باسلوب وحشي في مدرسة المقاصد الخيرية في الزهراني اعلنت ادارة المدرسة فصله واخذت صفة الادعاء الشخصي ضده. كذلك اوصى وزير التربية الياس بو صعب باعفائه من مهامه وكلف التفتيش المركزي متابعة العنف في المدارس والثانويات مع استحداث خط ساخن (01772101) للتبليغ عن اي اعتداء مماثل، مستنداً بذلك على القوانين لوضع حد لهذه الظاهرة، فالقانون يعطي وزارة التربية الحق بالإدعاء أمام النيابة العامة التمييزية والإيعاز إلى المدرسة باتخاذ عقوبات تأديبية وحرمان المعلم المعتدي من التعويضات بعد صرفه من الوظيفة، كما يوجب ضرورة إعلام المدرسة للتنفيذ تحت طائلة سحب الترخيص، ويسمح القانون ايضاً بالاستماع إلى التلاميذ المعنفين.
لكن هل يتوقف الامر عن العنف الجسدي؟ إطلاقا، فالنظام التعليمي برمته في لبنان بحاجة الى تعديل. كما ان العنف اللفظي منتشر وعلى نطاق واسع جدا سواء من المعلمين تجاه تلاميذهم او من التلاميذ بحق بعضهم البعض. ولعل ظاهرة التنمر التي تكبر وتتسع وتكاد تتحول الى مشكلة لا يمكن السيطرة عليها لا تجد اي آذان صاغية.
التنمر في الدول الاوروبية والاميركية وصل لمرحلة خرجت عن سيطرة المعنين وبين حين واخر يخرج الى العلن خبر إنتحار تلميذ بسبب تعرضه المتكرر للتنمر من قبل زملائه في المدرسة. انكار عدم وجودها في لبنان يمكن تصنيفه بالاختباء خلف الاصبع، فهذه الظاهرة موجوة منذ سنوات وفي تعاظم وتزايد وان لم يتم احتوائها سريعا فيوما ما سنسمع حكاية تلميذ قرر الانتحار لانه لم يعد يتحمل الإذلال المتكرر الذي يتعرض له يوميا .
وزير التربية وفي خلال مؤتمر صحافي عقده في مكتبه بحضور الأولاد المعنفين وأهاليهم، ورئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية أمين الداعوق، اشار الى «ان الفيديو الذي تناقلته مواقع التواصل الإجتماعي قد سلط الضوء ليس فقط على المدرسة بل على موضوع العنف النفسي والجسدي المنتشر في مدارس عديدة رسمية وخاصة وفي مناطق عديدة، لكنها المرة الأولى التي تتخذ فيها تدابير وإجراءات عقابية لا سيما وأنه صدرت تعاميم منذ العام 2008 بضرورة الإبلاغ عن أي عنف جسدي أو نفسي، وبعد ذلك صدر تعميم في العام 2012 يطلب فيه من المدارس اتخاذ التدابير الآيلة لمنع حصول الإعتداءات على التلامذة، واتخاذ الإجراءات القانونية في حال حصول اعتداء او تعنيف».
واضاف: «إن الطفلين الموجودين هنا واللذين تعرضا للتعنيف ليسا وحدهما بل ان المجموع هو خمسة أطفال نالوا علامات متدنية في اللغة الإنكليزية فعاقبهم المدير بالضرب. وهذا الأمر نحن معنيون به سندا للصلاحيات التي يعطينا إياها القانون، مشيراً الى انهم اتخذوا «قرارا بتسليط الضوء على القضية لكي يتم التعاطي مع الموضوع بأقصى جدية وتطبيق أقصى العقوبات، ومعاقبة المعلم المخالف، فالقانون يسمح بفصل المدير الذي يعتمد اسلوب الضرب والتعنيف».
واكد الوزير ان القانون يقضي بالتعويض المعنوي للتلاميذ المتضررين، عن طريق مقابلتهم والاستماع اليهم ومنحهم مكافآت أو أوسمة من قبل الوزير للتلامذة المتضررين.
وكشف وزير التربية انه اجتمع مع الطفلين المعنفين علي وفواز ومع الأهالي قبل المؤتمر الصحافي، وتأكد له «احترامهم للمدير ولمكانته بينهم»، مشددا على أن «الضرب غير مبرر وأن المدير استحق العقاب».
الأهالي يريدون عودة «الوحش»
تحرك الإهالي بعد فصل الأستاذ لكن التحرك لم يكن مساندة للقرار بل تحركوا مطالبين بعودة ضاهر لمنصبه. نعم مطالبين بعودته الى منصبه.
مطالبة تكاد تكون من أغرب ما يمكن ان تسمعه، فان كان الذين شاهدوا الفيديو ولا تربطهم صلة قرابة او حتى معرفة بالاطفال شعروا بضيق لا يمكن وصفه ولو كان الاستاذ امامهم لقاموا بضربه لفعلته المشينة تلك. فكيف يمكن لاهالي يعلمون ان اطفالهم قد يكونوا يوما في ذلك الموقع ان يطالبوا بعودة الجلاد.
ولان شر البلية ما يضحك فان الاهالي اتحفونا بجملة «ضربهم لمصلحتهم» وبناء على طلب منهم. فربما يجب معاقبة الاهالي بتهمة التحريض او حتى ممارسة العنف الجسدي على اطفالهم. فمن يطالب بضرب اطفاله لن يجد حرجا في القيام بذلك بنفسه.
لذلك ملاحظة للجمعيات المعنية بحقوق الاطفال.. لديكم الكثير لتعملوا عليه.
اما رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية أمين الداعوق فاتحفنا هو الاخر بنظرية رائعة عن «فقدان الصواب» وقال «نحن استأنا كثيرا وما حدث غير طبيعي. وضاهر يعمل مع الجمعية من حوالى الثلاثين سنة والتشدد الذي قام به كما سمعنا من اهل الضيعة، تشدد من اجل العلامات. وللأسف فقد صوابه في تلك اللحظة، ومن منا لا يفقد صوابه من وقت لوقت في هذا الموضوع».
أضاف «اجتمعنا مع الاهالي وهم غفروا له ما حصل لأنهم هم من طلبوا منه ذلك. وطالبونا بعدم اتخاذ اجراء بحقه وبابقائه في المدرسة».
اما المدرس فقال انه قام بذلك لتأنيب الطلاب ومحاسبتهم بسبب تقصيرهم بالمواد العلمية وحرصا على مصلحتهم وليس من اجل ايذائهم وذلك بناء على طلب الاهالي.
وقال: «العمل الذي قمت به ممكن ان يكون غير مقبول تربويا، ولكن الهدف كان بموضوع التربية وليس لأن بيني وبين الطلاب خلافا شخصيا. فهم مقصرون بالمواد العلمية، وكل ما في الامر اني عاقبتهم بضرب كل تلميذ ثلاثة قضبان على رجليه وليس على يديه حتى لا يتأذى، وانا على استعداد، اذا كان هناك اي ضرر جسدي، ان اتحمل كامل المسؤولية القانونية.هؤلاء في النهاية تلاميذي وانا اسهر على تربيتهم كما اهاليهم. واتمنى على وزير التربية أن يأخذ هذا الامر بعين الاعتبار وانه لم يكن الهدف ايذاء الطالب وانما الحرص على استمرارية نجاحه وتأمين مستقبله وتحسين مستواه».
وختاما للقصة العجيبة هذه أبدى مشهور علي النميري (احد التلامذة الذين تعرضوا للضرب) تفهمه لما قام به مديره، فقال: «ضربني الاستاذ بالعصا لأن علاماتي متدنية وهو يريد مصلحتنا، وعندما اكبر واتخرج عندها اعرف لماذا ضربني، اقول له شكرا لانك ضربتني، صحيح انني تألمت لكن هذا لمصلحتي».
وقال زميله علي محمد النميري الذي تعرض للضرب هو الاخر: «انا سامحت الاستاذ. فانا عفريت في الصف وألهو كثيرا ولم احفظ دروسي جيدا. وانا اعتبر كأن والدي من ضربني. واعترف اني كنت اصرخ اثناء الضرب حتى يتوقف الاستاذ عن ضربي وليس لأني اتألم».
وطالب زميلهما محمد عباس، باعادة «فتح المدرسة وعلى رأسها المدير الذي يحرص علينا وعلى تعليمنا لان المدرسة بدونه لا تنفع على حد قوله».
ملاحظة لوزارة التعليم: ربما حان الوقت لاعادة النظر في النظام التعليمي «الزفت» الذي ينتشر في لبنان. فحين يصبح التلميذ الضحية هو الجاني لان الاهالي والمعلمين اقنعوه بذلك فان تلك مصيبة مستمرة.. لعله حان الوقت لوضع حد لها.