العام الدراسي الحالي في لبنان جنوني بكل ما للكلمة من معنى. فمنذ السابع عشر من تشرين من العام الماضي ومع إندلاع الثورة عانى الطلاب الأمرين. فبين التعطيل وبين «تكثيف» الدروس، والذي هو تعبير منمق للحشو وشرح الدروس بأقصر مدة زمنية من دون الإكتراث لمبدأ أساسي في التعليم ألا وهو تمكن الطلاب من الفهم، الى جائحة كورونا والحجر المنزلي منذ شباط وحالياً عودة التظاهرات المطلبية الى الشارع.
وطبعاً يضاف الى المعادلة الأوضاعا المعيشية الصعبة، وإنهيار الليرة أمام الدولار، وخسارة فئة كبيرة جداً لوظائفها وحجز البنوك على أموال الجميع.
الوضع في لبنان كارثي والضغوطات النفسية التي يرزح تحتها الجميع أكبر من قدرة البشر على الإحتمال.. ومع ذلك وسط كل هذه المعمعة وكل هذه الضغوطات وزير التربية مصر على إجراء الإمتحانات الرسمية.
الفوضى العارمة
بعد الحجر الصحي وإغلاق المدارس إنهمك وزير التربية بإطلاق التعليم عن بعد والدروس التي تبث عبر شاشة تلفزيون لبنان متجاهلاً واقع الانترنت في البلاد وعدم إمتلاك البعض أجهزة تمكنهم من المتابعة. المدارس الخاصة بدورها دخلت حفلة الجنون هذه بكل زخم، وذلك لأن التعليم عن بعد، سيضمن لهم حصولهم على الأقساط المدرسية. التعليم عن بعد يتم التعامل معه وكأنه نسخة طبق الأصل عن يوم مدرسي عادي وبالتالي الطلاب يجلسون أمام جهاز الكمبيوتر أو الهاتف من الثامنة صباحاً وحتى الثالثة من بعد الظهر. ثم يتم تكليفهم بالفروض وحتى أن البعض بدأ بإجراء إمتحانات «أونلاين، وما أدراك ما الإمتحانات أون لاين.
لا يسمع ولا يرى
فترة التعويض الأولى، التي تلت التعطيل بعد ثورة ١٧ تشرين، لم تخدم الغاية منها وبالتالي لم يمنح التلاميذ، وخصوصاً طلاب الشهادات الوقت لفهم المطلوب. ثم جاءت جائحة كورونا وبدأت المدارس تشرح الدروس الجديد عن بعد متجاهلة واقع أن التلاميذ بالكاد تفهم نسبة ضئيلة مما يتم شرحه.
الوزير مصر، لسبب ما على إجراء الإمتحانات، وفي كل مرة يطل فيها في مقابلة، يتحدث عن سيناريوهات وخطط لإجراء الإمتحانات، ولكن ما هو واضح وجلي هو أنه لا يملك أي خطة ملموسة. هناك شخص ما يريد إجراء الإمتحانات «مهما كان الثمن» ولاحقاً «سيرقع» خطة ما تتماشى مع هذا الإصرار الغريب.
صحيفة الأخبار اللبنانية فندت ما تحدث عنه الوزير خلال مقابلة تلفزيون لبنان، وأشارت إلى انه يجري التداول في أروقة الوزارة في خفض عدد المواد إلى النصف، ولا سيما في شهادة البريفيه، أي 5 مواد بدلاً من 10، مع إعطاء مادة «بونيس» باعتبار أن بعض الطلاب يعتمدون على مواد غير أساسية للنجاح في الاستحقاق، بدا أنه ليس هناك قرار نهائي في هذا الخصوص، فيما اشارت الصحية الى خلاف بين المديرية العامة للتربية والمركز التربوي للبحوث والإنماء بشأن مرجعية توصيف أسئلة الامتحانات.
وأضافت الصحيفة الى أن الإحراج كان واضحاً لدى الوزير لجهة صعوبة التوفيق بين ما يطرحه الأهل عبر اتحاداتهم والأساتذة بصفتهم الفردية من سيناريوات، وبين ما تمارسه روابط المعلمين في التعليم الرسمي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة وأركان الوزارة المستفيدين من مخصصات الامتحانات من جهة ثانية.
رئيس الجمهورية طلب إلغاء البريفيه
وفق صحيفة الاخبار فإن الهيئات النقابية وعدد من موظفي الوزارة لم يطرحوا فكرة إلغاء الإمتحانات، بل كان كان هناك إصرار على إجرائها لأسباب مختلفة، علماً بأنّه أخذ الضوء الأخضر من رئيس الجمهورية ميشال عون بإلغاء البريفيه.
موقف وزير التربية ترك استياءً في أوساط الأهالي والتلامذة والأساتذة، فجرى الحديث عن إجراء امتحانات «كيف ما كان وبأي زمان ومكان، يعني عنزة الـ 16 ملياراً… ولو طارت»، في إشارة إلى مخصصات لجان الامتحانات الرسمية. ومنهم من تحدث عن امتحانات «غريبة عجيبة من كوكب آخر»، ولا سيما لجهة تقليص المناهج من دون معايير ووضع أسئلة من دون نماذج مسبقة، فيما الطلاب غير معتادين على نمطها. وهناك من سأل: هل إلغاء الامتحانات في بعض المواد التي يعتبرها الوزير وأركان الوزارة غير أساسية وتوزيع علاماتها على مواد أخرى يعزز الشهادة الرسمية أم يدفع بها نزولاً؟
توتر وقلق وخوف.. طلاب ينعون حظهم
طلاب الشهادات هذا العام ينعون حظهم السيء، ففي العام الذي عليهم إجراء الامتحانات الرسمية «هبطت» جميع الكوارث على لبنان. وضع إقتصادي سيء جداً، جائحة كورونا، تظاهرات وتوتر في الشارع، وتعليم عن بعد ثم خرج عليهم الوزير ليبلغهم بتبديل نمط الأسئلة. الطرح الاخير هذا مخيف، خصوصاً وأنه يتم تدريب الطلاب للإجابة على النمط «المعروف» للإمتحانات الرسمية وبالتالي أي طرح جديد يعني مصيبة جديدة تضاف الى مصائب الشهادات الرسمية هذا العام.
وطبعاً هناك الكثير الكثير من الملاحظات على الأسباب التي يطرحها الوزير والتي يبرر من خلالها إصراره على إجراء الامتحانات ولكن لا سبيل لمناقشته في ذلك، فالمقابلات التي يجريها «مقفلة» الى حد ما فلا يسمح للاهالي بالإتصال وحتى حلقة «صار الوقت» كانت محصورة بعدد محدد مسبقاً من المداخلات وعليه لم تتمكن فئة كبيرة جداً من إسماعه ما تريد إسماعه.
تظاهرة إحتجاجية أمام وزارة التربية الجمعة
دعت الهيئات الطلابية ومجموعات الثورة الطلابية الى وقفة إحتجاجية أمام وزارة التربية يوم الجمعة في الأول من أيار لإيصال صوتها الى الوزير ومطالبته بإلغاء الإمتحانات الرسمية ووضع حد لمعاناة الطلاب وأهلهم على حد السواء.