ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداسا باللغة الفرنسية في كنيسة القديس يوسف التابعة للرعية اللاتينية في بوخارست، لمناسبة عيد الصليب بحضور حشد من ابناء الجاليات اللبنانية والعربية وابناء الرعية الرومانية. وكان الراعي قد التقى قبل القداس أعدادا كبيرة من مسيحيي سوريا والاردن ومصر والعراق وسواها من دول الشرق الاوسط التي تعاني الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية، والتي ادت كلها في نتائجها المباشرة الى تهجير مسيحيي المنطقة.
وبعد القداس القى الراعي كلمة دعا فيها المسيحيين الى “الشهادة لكلمة الله بخاصة في الشرق، حيث التنازع بين الاحزاب والدول والديانات”، وقال: “ان التواجد المسيحي في الشرق والذي يعود لاكثر من الفي سنة هو ضروري لنشر ثقافة المحبة والسلام والتعايش، ولا يستطيع المسيحيون ان يتساهلوا او ان يسمحوا بانتشار الارهاب والاصولية في الشرق”.
واضاف: “نحتفل اليوم بعيد ارتفاع الصليب المقدس رمزا وعلامة للرجاء وانتصارا على الشر بقوة الصليب. يشرفني ان احتفل بهذه الذبيحة الالهية ارتفاع الصليب المقدس مع الجالية المارونية في بوخارست والجالية العربية المحبة، نحن في بوخارست لتدشين وتكريس الكنيسة الجديدة على اسم القديس شربل.
وتابع: “نصلي اليوم مع قداسة البابا بابا فرنسيس لاجل السلام في سوريا في العراق في مصر وفي العالم كله نصلي ايضا لاجل الخلافات والانقسامات لنرمي السلاح ولنعيد بمساعدة المجتمعات العالمية الحل السياسي في الحوار. وجود المسيحية في الشرق الاوسط هو ضروري وحتمي لاجل بشارة محبة المسيح لاعلان انجيل السلام والخلاص ولاجل تعليم وتثقيف المجتمع المحلي. نحن لا نستطيع ان نتجاهل ارض الشرق الاوسط المختارة والمباركة من الله حيث عليها اصبح وتحقق سر خلاص المسيح ومشروع الخلاص ان تصبح ارض العداء، ارض حرب، ارض خصام. بهذا العيد عيد ارتفاع الصليب المقدس نجدد عهدنا التبشيري الرسولي وبهذا نعلن الشكر للاب والابن وللروح القدس”.
ثم شرح تاريخ الكنيسة المارونية وعلاقتها بدولة الفاتيكان وتحدث عن معاني الصليب وسر القيامة.
بعدها انتقل الراعي والوفد اللبناني الى قرية كورنوش حيث شارك في مأدبة غداء أقامها على شرفه رجل الاعمال اللبناني سركيس سركيس الذي ألقى كلمة قال فيها: “فرحي اليوم عارم لا يوصف، وكذلك فرح افراد عائلتي وكل الاحباء الحاضرين معنا وكل جماعة المؤمنين في رومانيا وقد شرفتمونا بزيارتكم الابوية التاريخية ومعكم صحبكم الكريم من الاساقفة والكهنة والعلمانيين وكلهم اخوة لنا واصدقاء”. أضاف: “ان تطأ اقدامكم المباركة ارض رومانيا وتحديدا هذا المكان لنعمة كبيرة نشكر الله عليها ونقول لكم تباركنا جميعا بوجودكم انتم من اعطيتم مجد لبنان، نطلب صلواتكم كي ينعم الرب على عالمنا وبخاصة على لبنان والشرق الاوسط بايام بركة وسلام”.
وتابع: “سيدنا، وجود هذا الجمع هو خير دليل على تعلق الرعية براعيها ووجودكم دليل على اهتمام الراعي واتباعه خراف المسيح في كل مكان، حتى في رومانيا كي تبقى الرعية واحدة لراع واحد، انتم، البطريرك الماروني، صوت الحق الصارخ، في برية هذا العالم المتحارب اي اوقفوا الحروب والنزاعات وليحل السلام مكان الحرب والمحبة مكان البغض والمصالحة مكان التباعد”.
وقال: “سيدنا لطالما حلمنا بهذا اليوم الذي فيه نراكم هنا لتدشنوا كنيسة مار شربل الرعائية وتباركوا مذبحها. وقد واكبتم منذ البدايات تطور الفكرة وتقدم المشروع فكنتم تسألون باستمرار عن المراحل التي بلغها، وكان لعنايتكم وسهركم واهتمامكم على المشروع ان حرك الهمم واشاع جوا من الثقة دفع بالكثيرين الى الالتزام به حتى النهاية دون تردد ولا تعب. هكذا شهدنا الايادي تتشابك والنوايا تصفو والكلمة تتحد في سبيل اعلاء بنيان بيت الرب”.
وتابع: “ها نحن اليوم يا صاحب الغبطة والنيافة نقف في حضرتكم وبمعيتكم بفرح وافتخار امام هذا الانجاز الكبير امانة منا للايمان الذي ورثناه من الاباء والاجداد والتقاليد المارونية التي تقوم على التعاون وتضع بيت الله الذي يجمع الجميع قبل بيوت المؤمنين. وهذا الامر مدعاة فخر لنا بجاليتنا في رومانيا وباولادها لان كل عضو فيها ساهم بحسب مواهبه وطاقاته عملا بمبدأ فلس الارملة الذي علمنا به يسوع ان الاهمية ليست بالكمية بل بالمبادرة والمشاركة”.
وختم: “نشكركم يا صاحب الغبطة والنيافة على حضوركم والوفد المرافق ونحن نجدد اليوم الولاء لكم ولكنيستنا ولتاريخيها وتقاليدها، شاكرينكم على الكهنة الذين تعاقبوا على خدمة الرعية بمحبة وحكمة، واوصلوها الى ما هي عليه اليوم. نخص بالشكر كاهن الرعية الحالي الاب فادي روحانا ولجنة الكنيسة في الرعية التي كرست وقتها والتزمت بمحبة وتضحية متابعة البناء حتى نهايته، كافأ الرب تعبهم”.
وكانت السفارة اللبنانية في بوخارست قد أقامت حفل استقبال على شرف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والوفد المرافق في مقرها، شارك فيه وزير الثقافة الرومانية فيكتور اوباتشي ورئيس البلدية اندريه كليمان، وعدد من السفراء العرب والاجانب ورجال دين واركان السفارة والموظفين وحشد من ابناء الجالية اللبنانية، وتم خلال الاحتفال غرس شجرة ارز في حديقة جبران خليل جبران.
ووجه البطريرك الراعي نداء الى عالم الشرق الاوسط لكي يتوحد ويتمكن من فرض استقراره السياسي والامني، ولكي يتمكن العالم العربي من مواصلة دوره في قلب الاسرة الدولية، وقال: “من هنا، من حديقة جبران خليل جبران رجل السلام، ندعو عالمنا العربي لان يعرف كيف يخرج من الازمة التي يعيشها، ونطالب بوقف الحرب في سوريا والسيارات المفخخة في العراق والخلافات في مصر والعمل لايجاد الحلول السلمية والعادلة، كما نطالب الاسرة الدولية بحل ما هو اساس كل نزاع الشرق الاوسط” .
اضاف: “ان لبنان ينتظر منه دور كبير على مستوى الاستقرار في العالم العربي من موقعه السياسي والاجتماعي والجغرافي والتاريخي، ولكن الجميع يعرف انه متأثر كثيرا بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني حيث يوجد على ارضه نصف مليون فلسطيني مع سلاحهم الخفيف والثقيل، وهذا يؤثر سلبا عليه امنيا وسياسيا، اضافة الى تأثره بالنزاع في سوريا حيث بلغ عدد النازحين اليه اكثر من مليون ونصف المليون، وهذا عبء كبير علينا على الصعد كافة، فعلى المجتمع الدولي والعربي ان يدرك انه لا يستطيع الاستمرار بالمناداة بالحرب وارسال السلاح يسارا ويمينا والابرياء والاطفال يقتلون ويهجرون”.
وتابع: “من هذه الحديقة من هذا اللبنان المحب للسلام وللعيش معا، نقول اننا قادرون كمسيحيين ومسلمين، ان نعيش معا حياة غنية ونبني دولة ديموقراطية تحترم حقوق الانسان، لان هذا الوطن الصغير لبنان لا مصلحة لديه الا ان يخلق صداقة مع كل بلدان العالم، فهذا ايماننا وهذه ثقافتنا وفلسفة جبران التي جمعتنا حديقته وفيها غرسنا هذه الارزة رمزا للخلود والصمود وللكرامة والقوة والتحرر، وهي تعلمنا كيف نستطيع ان نترفع عن مستنقعات الحياة لكي نعيش جمال القيم الاخلاقية والانسانية والروحية والوطنية”.