حين سارعت وسائل الإعلام لنقل أحداث الإنتفاضات الشعبية في دول «الربيع العربي» ظن الشاب المتظاهر الباحث عن غد أفضل بأن العلاقة المتردية مع وسائل الاعلام قد إنتهت. ساد الاعتقاد بان الإعلام الذي خنق صوته لسنوات طويلة لصالح الحكومات والناطقين باسمها بات وسيلتهم ووجسر عبورهم الى الديموقراطية والى غدهم الأفضل . إعتقاد سرعان مع تبين عدم صحته مع قلة وضوح مقاربة الإعلام تجاههم ومع تحولاتها مع ما يخدم مصالح الحكومات التابعة لها.. فكانت العودة الى نقطة الصفر .
ولعل الدراسة التي أجراها «المجلس الثقافي البريطاني» و«مركز جون جيرهارت للاعمال الخيرية» و «المشاركة المدنية» في الجامعة الأميركية في القاهرة والتي خلصت الى نتيجة مفادها ان الفجوات أصبحت سمة مميزة بدلا من الروابط خير دليل على توصيف العلاقة .
قلة الثقة وإنعدام التواصل الصحي لا تقتصر على الإعلام فحسب بل تنسحب أيضا على علاقة الشباب ببقية أفراد المجتمع، فالفجوة بين الأجيال تتسع حالها حل العلاقة بين الجنسين .
الخيبة يعيشها شباب تونس ومصر وليبيا أكثر من غيرهم، هذه الدول التي أطاحت بحكامها توقع شبابها مرحلة جديدة وإنصات لأصواتهم وتلبية لإحتياجاتهم خلال مرحلة «إعادة البناء الوطني لكن الفاعلين العسكريين والسياسيين الأكبر سنا هيمنوا على المجال العام خلال العامين التاليين للحراك الشعبي في تلك الدول. . فالتحول في مفاهيم الشباب في مصر وليبيا وتونس” التي إستمرت على مدى الشهور الثمانية الاخيرة من 2012 وطريقة تعاطي الصاعدين الى الحكم ووسائل الإعلام من خلفهم يشعرون بإحباط يدفعهم للتشكيك بكل ما قاموا به « هل قمنا بثورة؟”
أضافت الدراسة أن التضامن والتلاحم في ميدان التحرير خلال الأيام الثمانية عشرة للانتفاضة تحول الى إنقسام ومجموعات مستقطبة.سؤال يختصر الواقع الحالي واليأس الذي يختبره الشباب. .في مصر ترزح البلاد تحت وطأة التصنف وفق التوجه الفكري والإنتماء الديني ما أدى الى ظهور مناخ من عدم الثقة والذي كان من أبرز سماته الخلاف الطائفي.
ورغم الدور المهم الذي لعبته وسائل الاعلام خلال الفترة الإنتقالية بعد الانتفاضات الا ان الشباب بات ينتقد اداء الوسائل الإعلامية التي وصفوها بـ”المنحازة والمفتقرة للمصداقية والموضوعية والناقلة للأكاذيب والافتراءات التي ساهمت في حالة الإنقسام والتفتيت التي يعاني منها المجتمع المصري… فضلا عن تهميشها للشباب من خلال ترسيخ الصور النمطية بأنهم يفتقرون الى الخبرة على الرغم من وصفها لهم بأنهم أبطال الثورة.”
وفي لييبا عبر من شملتهم الدراسة عن نظرة سلبية في وسائل الإعلام. وقالت الدراسة ان “الثقة في وسائل الإعلام في الوقت الراهن تتضاءل بشدة… وينظر الى وسائل الإعلام على أنها منحازة سياسيا وتتبنى نهجا شخصيا غير موضوعي مما أدى الى تضاؤل نزاهتها في عيون الشباب الليبيين.”
وفي تونس “إستهجن معظم المشاركين في الدراسة وسائل الإعلام لكونها غير مهنية ومسؤولة عن نشر أخبار زائفة.”وقالت الدراسة أن “مستويات الثقة في وسائل الإعلام منخفضة بشكل خطير في البلدان الثلاثة.”وأضافت ان وسائل الإعلام الإجتماعية ساهمت في السابق في زيادة الوعي لكن “يخشى الان من ان تصبح آداة يصعب السيطرة عليها تستخدم لتعزيز الإنقسام ونشر الشائعات.”
وأضافت “أدى استخدام وسائل الإعلام الإجتماعية للتعبئة السياسية في الوقت الراهن الى مزيد من التنميط والمراوغة الامر الذي جعل العديد من المشاركين في الدراسة يعتقدون بأن دورها الثوري قد إنتهى.”وأشارت الدراسة الى ان وسائل الإعلام تعد احدى الجهات الفاعلة الرئيسية في خلق الثقة او تقويضها في المؤسسات القائمة.
ورغم تراجع الثقة في وسائل الإعلام قالت الدراسة أن المشاركين عبروا “عن قناعة ثابتة بأن وسائل الإعلام يمكن أن تستخدم كأداة لترسيخ الديمقراطية.”وأوصت الدراسة بدعم الجهود “لوضع ميثاق لأخلاقيات الإعلام للتنظيم الذاتي” بحيث تبعث من خلالها مؤسسات الإعلام “بإشارة قوية الى جمهورها المحتمل عن المعايير التي تلتزم بها ومدونة قواعد السلوك والمعايير المهنية التي تتبناها”.
وبصورة عامة دعت الدراسة الى وضع “إستراتيجية متكاملة ومتعددة العناصر يمكن لها أن تدعم مبادرات الشباب… وتضمينهم بوصفهم شركاء أساسيين في صياغة السياسات وليس فقط كمجرد مجموعة مستهدفة.
توصيات من المرجح الا تغير من واقع الحال، خصوصا وأن وسائل الإعلام في عالمنا العربي وفي دول «الربيع العربي» بشكل خاص ناطقة بإسم الحكومات والدول الداعمة للحكومات. فالعلاقة مع الشباب تتجلى في أبشع صور الإستغلال، وقود الشارع بالامس إنتهت مدة صلاحياتهم وأصبحوا وفق من صنفتهم كأبطال سابقا «مجموعات مشاغبة ،إرهابية. مسيرة»
العلاقة مع وسائل الإعلام حالها حال واقعنا ..وحال لا يتوقع أن يتغير في المدى القريب.