الحديث مع الناشط الاجتماعي في الكونغو، المغترب ناصر سامي جمي، يختصر حكاية الهجرة وما تحمله من عِبَر وما يتخللها من آلام وآمال، ويرسم بالتجربة خريطة طريق لكل من يفكّر في سلوك هذا الطريق المحفوف بالمخاطر والمليء بالمغامرات والمطبات التي يمكن أن تؤدي بصاحبها الى الإحباط والفشل إذا فقد عزيمته، أو الى النجاح الكبير إذا أحسن التصرف واستفاد من تجارب الآخرين.
فخلال زيارتنا القصيرة للكونغو لإنجاز ملف عن الجالية، التقيناه في مكتبه في كينساشا، وتمنينا عليه أن يعرض علينا تجربته عن الهجرة كونه من الجيل الثالث في عائلته، بعد والده الحاج سامي عجمي وجدّه الراحل الحاج راشد عجمي اللذين هاجرا الى ليبيريا في أوائل القرن الماضي، فقال: إن حلمه بالسفر للهجرة بدأ يتكون لديه منذ نعومة أظفاره، على غرار كثيرين من أقرانه أبناء الجنوب عموماً ومسقط رأسه بلدة العباسية (قضاء صور) خصوصاً، فكانت أول تجربة له السفر الى رومانيا في عام 1996 التي انتقل اليها والده بعد تركه كينساشا وليبيريا، لكن حلم الهجرة الى افريقيا ظل يراوده. فسافر الى كينشاسا، وعمل في المصنع الذي يملكه عمه الحاج سميح لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، انتقل بعدها للعمل في التجارة، لكن أولى العقبات التي اعترضته كانت مع دخول الكونغو في حرب أهلية ومأساة جديدة تمثلت بالهجوم الذي بدأه زعيم المعارضة لوران كابيلا على قوات الرئيس موبوتو، وعانينا كجالية من مشاكل صحية ونفسية، وتعرضت مع عدد من اللبنانيين لإطلاق نار طائش طاول المنزل الذي كنا فيه، ولله الحمد لم يتعرض أحد منّا للأذى.
وفي عام 1999 وعلى اثر اغتيال الرئيس كابيلا الاب انتقلت السلطة الى ابنه جوزيف كابيلا الذي شهد عهده فورة اقتصادية وعمرانية.
اثر الحروب التي مرت بالبلاد والضغوط الاجتماعية تعرضت لأزمة صحية حادة فاضطررت للسفر الى لبنان للمعالجة. بعد غياب عنه استمر ثلاث سنوات، لكننا تعرّضنا كعائلة لمأساة كبرى بوفاة شقيقي الأكبر الطالب الجامعي المهندس راشد. وهنا أصرّ الوالد على أن تنتقل العائلة وأنا وشقيقي علي للعيش معه في رومانيا، التي كانت وجهتي الأولى بعد عدوان “عناقيد الغضب” الوحشي، فعملت مع الوالد الذي أسس شركة عام 1994 آتياً من لبنان الذي عاد إليه عام 1987، لكنني لم أتأقلم مع الوضع الجديد، فعدت الى الكونغو، وأسست شركة “SAIDI” المتخصصة بمواد البناء والسيراميك والرخام وطواقم الحمامات. وابتداء من عام 2003، شهدت البلاد نهضة عمرانية كبيرة مع انتقال السلطة الى جوزف كابيلا نجل الرئيس السابق، وبعد قرابة سنة انضم شقيقي وشريكي علي الى العمل معي، وكوننا تربينا على العمل بإخلاص وثقة، كان من البديهي النجاح وتطوير العمل. وفي عام 2006، عادت الاضطرابات الى الكونغو، واشتعلت حرب أخرى، صودفت مع عودة عائلات لبنانية كثيرة من لبنان بسبب عدوان تموز 2006 من العام نفسه، وشهدنا دورة عنف جديدة بين قوات المعارض جان بيار بامبا وقوات كابيلا لمدة شهر. وهنا شهدت زوجتي نانسي جحا التي حضرت الى كينشاسا كعروس، حرباً أخرى بعد معاناة حرب تموز في لبنان، وتعرضنا لأخطار لا يمكن تجاوزها إلاّ بالصبر والعزيمة والإيمان.
حدثتنا عن الأخطار والإخفاقات والمعاناة، هل لك أن تحدّثنا عن نجاحاتك في مجال العمل؟
أجاب: طبعاً، لا بد لهذا الصبر والإرادة من أن يثمرا أملاً ونجاحاً فبفضل رضا الله أولاً، ورضا الوالدين ثانيا، والصدق في العمل والمعاملة أتت النتائج إيجابية، فبعد 15 عاماً من الصدقية والتمايز مع الشعب الكونغولي وزبائننا والتجار وعملائنا في الخارج، استطعنا ولله الحمد تجاوز الكثير من المطبات والصعاب والأحداث، سواء كانت في الوطن الأم أم في الدولة المضيفة، وتطوير تجارتنا، ونحن مصممون بعون الله على مزيد من العمل لنستمر في المحافظة على نجاحنا ومضاعفته. وهنا لا بد من أن نوجه الشكر بعد الله سبحانه وتعالى الى كل الناس الطيبين الذين تعاملت معهم ووقفوا الى جانبي لكي نطور عملنا ومؤسستنا يتقدمهم عمي الحاج سميح أطال الله بعمره والصديق أبو علي فردون رحمه الله.
وهل للشركة فروع خارج العاصمة كينشاسا؟
أجاب: لدينا فرع في مدينة برازافيل التي تعاني الآن من ركود اقتصادي نتمنى تجاوزه.
كما اننا نقوم ببعض الاستثمارات في مجال البناء في لبنان.
وسئل الناشط عجمي عن رؤيته لوضع الجالية، وعن تعامل الدولة اللبنانية مع مواطنيها في الخارج، فوصف وضع الجالية بأنه متماسك، وأي إشكال أو تصرف خطأ يعالج بالحوار والتفاهم، رغم أن الرعاية الرسمية محدودة، لكننا نلاحظ اهتماماً أفضل بدأ قبل سنتين. ورعاية من السفارة لخدمة الجالية وترسيخ العلاقات بين لبنان والكونغو.
ان الاهتمام الرسمي من المسؤولين في الوطن الأم بأوضاع الجاليات في افريقيا عموماً وفي الكونغو خصوصاً ليس بالمستوى المطلوب، ونتمنى المزيد من الاهتمام نظراً للفوائد الكبيرة التي يقدمها مغتربو افريقيا لوطنهم على الصعد كافة.
وهل لديكم اهتمامات غير تجارية؟
أضاف: إن تربيتنا وبيئتنا وخصوصاً والدي الحاج سامي أطال الله عمره، يحثنا على عمل الخير ومساعدة الضعيف والمحتاج ونصرة الحق، وهذا ما انعكس على شخصيتي وعملي، ونتمنى أن يوفقنا الله لإكمال هذه المسيرة الوطنية والأخلاقية.
وهل لديكم ميول سياسية؟
أجاب: ليست ميول ضيقة أو حزبية، بل تأثرنا منذ الصغر بشخصية القائد جمال عبد الناصر ومواقفه الإنسانية والقومية. ولا نكشف سراً إذا قلنا إن هذه الميول تترجم بأعمال اجتماعية ووطنية تخدم بلدنا وأمتنا وتحافظ على الثوابت، ومنها دعم قضية العرب والإنسانية الأولى وهي قضية فلسطين المغتصبة.
وهل من رسالة توجهها في هذه المناسبة؟
قال: إنها للجيل الشاب بدعوته للالتزام بالقوانين والأخلاق، وألا يتوخوا الربح السريع الذي يذهب سريعاً، ويجب ألا يكون النجاح على حساب خسارة الآخرين، بل بجهده كي يشعر بلذة التألق الدائم.
وهنا لا بد لي من أن أكرر الشكر لشعب الكونغو الذي تقاسمنا معه العيش، وعشنا معاً الأيام الصعبة وأيام الاستقرار والرخاء، وللمسؤولين الذين يسهلون أعمالنا ويشجعون المستثمرين.