Skip to content Skip to sidebar Skip to footer

العبرة بالتنفيذ…!

علي بدر الدين

رسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في خطابه لمناسبة انتهاء النصف الأول لولايته، خريطة المرحلة المقبلة لعهده بشفافية ووضوح ومسؤولية، وحاكى فيه المطالب والعناوين والشعارات المطلبية الاجتماعية والإصلاحية التي رفعتها الانتفاضة الشعبية التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي. وتخللها قطع الطرق وما نتج عنه من تداعيات على مجمل الأوضاع وأعمال شغب واختراقات واتهامات وعمليات كرّ وفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية وغيرها في أكثر من منطقة. وكادت الامور أن تخرج عن السيطرة وتنزلق إلى ما لا يحمد عقباه، لولا وعي أصحاب المصلحة الحقيقية في التظاهر والاعتصام وقيادة الجيش وقوى أمنية وسياسية أخرى.

وبما أنه يُبنى على الشيء مقتضاه فإنّ هذا الخطاب الذي تبنّى في معظمه مطالب اللبنانيين المنتفضين فإنه نظرياً أسقط جدار عدم الثقة وأعطى فرصة إضافية للعهد وللطبقة السياسية الحاكمة والمتحكّمة مشروطة بالمهل والبدء بالتنفيذ، وخاصة أنّ هذه الطبقة في عقود حكمها وتسلطها لم تلتزم عقداً أو وعداً أو اتفاقاً، ولا همّ عندها سوى مصالحها وحماية وجودها ومكتسباتها وحصصها، ولأنه من الصعب إنْ لم يكن من المستحيل التخلي عن نهج الفساد والمحاصصة الذي بات يسري في شرايين مكوّناتها ولن تخرج منه إلا بعملية قيصرية لاستئصاله من جذوره وهذا ما تحاوله الانتفاضة رغم التباين في المواقف السياسية والطائفية والمذهبية منها، والتي عاهدت ألا تسقط أو تهادن أو تباع وتشترى في سوق النخاسة قبل تحقيق هذا الحلم – المعجزة.

نعم، نجحت الانتفاضة في مرحلتها الأولى بخلخلة بنية وكيان هذه الطبقة وأقلقتها على حاضرها ومصيرها وفرضت عليها تقديم التنازلات ليس عن طيب خاطر أو لصحوة ضمير مفاجئة، بل تحت ضغط الشارع وخوفاً من الآتي الأعظم. إنّ هذه الطبقة التي تحني رأسها أمام رياح الانتفاضة لن تستسلم بسهولة وإنْ حاولت دسّ رأسها في المطالب والطرق فهي متهمة وشريكة في ما آلت إليه أوضاع لبنان، ويجب الحذر منها وسجلها لا يوحي أبداً بالاطمئنان اليها أو الركون لسياستها، لأنها حتماً تنتظر الفرصة المؤاتية للانقضاض على كلّ محاولة تستهدف مصالحها.

إنّ انتفاضة 17 تشرين الأول وخطاب رئيس الجمهورية أصبح قاسمهما المشترك مصلحة لبنان وإنقاذه ومحاربة الفساد ونهب المال العام واسترجاعه إلى خزينة الدولة وغيرها من القرارات التغييرية والإصلاحية المطلوبة لبناء دولة مؤسسات قادرة وعادلة، يجب ان يترجم قريباً وإظهار إيجابيته في الآتي من الأيام وهذا ليس أمراً سهلاً لأنّ دونه عقبات وعثرات وردات فعل وشروط ومصالح في محاولة من الطبقة السياسية للإطاحة بكلّ ما حصل وتمّ إنجازه، وهي سوف تستشرس للدفاع عن فسادها وسياستها الإفلاسية للبلد التي باضت لها ذهباً وأموالاً وعقارات وسلطة ونفوذ واستعباد واستعلاء واستزلام. وإنْ حاولت تغليف شعاراتها بادّعاء دفاعها عن حقوق الطوائف والمذاهب فهي لن تنجح ولن تحبط آمال اللبنانيين بالخلاص منها، ولن تعيدها سياسة الخروج الى الشارع ولا الشعارات الطائفية والمذهبية البائدة.

بما أنّ لبنان باعتراف الجميع على مفترق طريق خطير، فالمسؤولية تقتضي البدء بالاستشارات النيابية لتكليف الشخصية التي ستشكل الحكومة والإسراع بتشكيل حكومة مصغرة لأنّ هذه المرحلة على المستويين السياسي والمالي تطلب الخروج من سياسة التراضي بالتأليف وتطييب الخواطر وإرضاء هذا وذاك على حساب الوطن، وألا يصيب الحكومة الموعودة ما أصاب حكومة تصريف الأعمال التي استغرق تأليفها أشهراً.

وأعتقد أنّ ما يعيشه لبنان اليوم وانتفاضته وخطاب الرئيس عون يوحي بعدم نجاح التجربة الحكومية السابقة لأنّ البلد فعلاً على فوهة بركان متفجّر ومؤشرات موجودة وتطفو على سطح الأحداث فيه، ولم يعد اللبنانيون قادرين على تحمّل النفاق السياسي والفساد والمزايدات وتقاسم الحصص والصفقات المشبوهة، وإنّ إعادة نغمة حصة هذه الطائفة أو ذاك المذهب أو الزعيم يجب أن تسقط وإلا سقط الهيكل على الجميع ودخل لبنان في الفوضى والفلتان وقد يكون الخطر أقسم وهذا ما يريده أحد من اللبنانيين.

إنّ بارقة الأمل تضيء من جديد دروب اللبنانيين والرهان فيها على شعلة الانتفاضة التي عليها ألا تحيد عن الثوابت الوطنية والمطالب الشعبية وان تبقى بمنأى عن السياسات والمصالح الضيّقة والعبرة أمام الجميع بالتنفيذ.

Leave a comment

0.0/5

Go to Top

العبرة بالتنفيذ…!